فصل: أول مقالات المرجئة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين **


تابع

ومن الضحاكية فرقة وقفت فلم تبرأ ممن فعله وقالوا‏:‏ لا نعطي هذه المرأة المتزوجة من كفار قومنا شيئاً من حقوق المسلمين ولا نصلي عليها إن ماتت ونقف فيها ومنهم من برئ منها‏.‏

واختلفوا في أصحاب الحدود‏:‏ فمنهم من برئ منهم ومنهم من تولاهم ومنهم من وقف واختلف هؤلاء في أهل دار الكفر عندهم فمنهم من قال‏:‏ هم عندنا كفار إلا من عرفنا إيمانه بعينه ومنهم من قال‏:‏ هم أهل دار خلط فلا نتولى إلا من عرفنا فيه إسلاماً ونقف فيمن لم نعرف إسلامه وتولى بعض هؤلاء بعضاً على اختلافهم وقالوا‏:‏ الولاية تجمعنا فسموا أصحاب النساء وسموا من خالفهم من الواقفة أصحاب المرأة وصارت الواقفة فرقتين‏:‏ فرقة تولوا الناكحة وفرقة ينسبون إلى عبد الجبار بن سليمان وهم الذين يتبرءون من المرأة المناكحة من كفار قومهم‏.‏

وهذا خبر عبد الجبار الذي خطب إلى ثعلبة ابنته ثم شك في بلوغها فسأل أمها عن ذلك حتى وقع الخلاف بين ثعلبة وعبد الكريم في الأطفال فاختلفا بعد أن كانا متفقين‏.‏

فأما عبد الجبار الذي خطب إلى ثعلبة ابنته فسأل ثعلبة أن يمهرها أربعة آلاف درهم فأرسل الخاطب إلى أم الجارية مع امرأة يقال لها أم سعيد يسأل هل بلغت ابنتهم أم لا وقال‏:‏ إن كانت بلغت وأقرت بالإسلام لم أبال ما أمهرتها فلما بلغتها أم سعيد ذلك قالت‏:‏ ابنتي مسلمة بلغت أم لم تبلغ ولا تحتاج أن تدعى إذا بلغت فرد مرة أخرى ذلك عليها ودخل ثعلبة على تلك الحال فسمع بتنازعهما فنهاهما عنه ثم دخل عبد الكريم بن عجرد وهما على تلك الحال فأخبره ثعلبة الخبر فزعم عبد الكريم أن يجب دعاؤها إذا بلغت وتجب البراءة منها حتى تدعى إلى الإسلام فرد عليه ثعلبة ذلك وقال‏:‏ لا بل نثبت على ولايتها فإن لم تدع لم تعرف الإسلام فبرئ بعضهم من بعض على ذلك‏.‏

ومن الخوارج البيهسية أصحاب أبي بيهس ومما أحدث أنه زعم أن ميموناً كفر حين حرم بيع المملوكة في دار كفار قومنا وحين برئ ممن استحل ذلك وكفر أهل الثبت حين لم يعرفوا كفر ميمون وصواب إبراهيم - وأهل الثبت الواقفة - وكفر إبراهيم حين لم يتبرأ من أهل الوقف لوقفهم في أمرهم وجحدهم الولاية عنه وجحدهم البراءة من ميمون وذلك أن الوقف لا يسع على الأبدان ولكن يسع على الحكم بعينه ما لم يواقعه أحد من المسلمين فإذا واقعه أحد من المسلمين لم يسع من حضر ذلك أن لا يعرف من أظهر الحق ودان به ومن أظهر الباطل ودانه به‏.‏

وزعم أبو بيهس أنه لا يسلم أحد حتى يقر بمعرفة الله ومعرفة رسوله ومعرفة ما جاء به محمد جملة والولاية لأولياء الله سبحانه والبراءة من أعداء الله وما حرم الله سبحانه مما جاء فيه الوعيد فلا يسع الإنسان إلا علمه ومعرفته بعينه وتفسيره ومنه ما ينبغي أن يعرفه باسمه ولا يبالي أن لا يعرف تفسيره وعينه حتى يبتلى به وعليه أن يقف عند ما لا يعلم ولا يأتي شيئاً إلا بعلم فتابعه على ذلك ناس كثير من الخوارج وفارقه ناس كثير منهم فسموا البيهسية وسمت البيهسية من خالفهم من الخوارج الواقفة‏.‏

وقال غيره من الناس‏:‏ قد يسلم الإنسان بعرفة وظيفة الدين وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله جملة والولاية لأولياء الله والبراءة من أعداء الله وإن لم يعرف ما سوى ذلك فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل فمن واقع شيئاً من الحرام مما جاء فيه الوعيد وهو لا يعلم أنه حرام فقد كفر ومن ترك شيئاً من كبير ما افترضه الله سبحانه عليه وهو لا يعلم فقد كفر فإن حضر أحد من أوليائه مواقعة من واقع الحرام وهو لا يدري أحلال أم حرام أو اشتبه عليه وقف فيه فلم يتوله ولم يبرأ منه حتى يعرف أحلال ركب أم حرام فبرئت منه البيهسية‏.‏

ومن البيهسية فرقة يقال لهم العوفية وهم فرقتان‏:‏ فرقة تقول‏:‏ من رجع من دار هجرتهم ومن الجهاد إلى حال القعود نبرأ منهم وفرقة تقول‏:‏ لا نبرأ منهم لأنهم رجعوا إلى أمر كان حلالاً لهم وكلا الفريقين من العوفية يقولون‏:‏ إذا كفر الإمام فقد كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد والبيهسية يبرءون منهم وهم جميعاً يتولون أبا بيهس‏.‏

ومن البيهسية فرقة يقال لهم أصحاب شبيب النجراني يعرفون بأصحاب السؤال والذي أبدعوه أنهم زعموا أن الرجل يكون مسلماً إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وتولى أولياء الله وتبرأ من أعدائه وأقر بما جاء من عند الله جملة وإن لم يعلم سائر ما افترض الله سبحانه عليه مما سوى ذلك أفرض هو أم لا فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل به فيسأل وفارقوا الواقفة وقالوا في أطفال المؤمنين بقول الثعلبية أنهم مؤمنون أطفالاً وبالغين حتى يكفروا وأن أطفال الكفار كفار أطفالاً وبالغين حتى يؤمنوا وقالوا بقول المعتزلة في القدر فبرئت منهم البيهسية‏.‏

وقال بعض البيهسية من واقع زناً لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع إلى الإمام أو الوالي ويحد فوافقهم على ذلك طائفة من الصفرية إلا أنهم قالوا‏:‏ نقف فيهم ولا نسميهم مؤمنين ولا كافرين وقالت طائفة من البيهسية إذا كفر الإمام كفرت الرعية وقالت‏:‏ الدار دار شرك وأهلها جميعاً مشركون وتركت الصلاة إلا خلف من تعرف وذهبت إلى قتل أهل القبلة وأخذ الأموال واستحلت القتل والسبي على كل حال‏.‏

وقالت البيهسية‏:‏ الناس مشركون بجهل الدين مشركون بمواقعة الذنوب وإن كان ذنب لم يحكم الله فيه حكماً مغلظاً ولم يوقفنا على تغليظه فهو مغفور ولا يجوز أن يكون أخفى أحكامه عنا في ذنوبنا ولو جاز ذلك جاز في الشرك وقالوا‏:‏ التائب في موضع الحدود وفي موضع القصاص والمقر على نفسه يلزمه الشرك إذا أقر من ذلك بشيء وهو كافر لأنه لا يحكم بشيء من الحدود والقصاص إلا على كل كافر يشهد عليه بالكفر عند الله‏.‏

وقال بعض البيهسية‏:‏ السكر من كل شراب حلال موضوع عمن سكر منه وكل ما كان في السكر من ترك الصلاة أو شتم الله سبحانه فهو موضوع لا حد فيه ولا حكم ولا يكفر أهله بشيء من ذلك ما داموا في سكرهم وقالوا أن الشراب حلال الأصل ولم يأت فيه شيء من التحريم لا في قليله ولا في إكثار أو في سكر‏.‏

ومن البيهسية فرقة يسمون أصحاب التفسير كان صاحب بدعتهم رجل يقال له الحكم بن مروان من أهل الكوفة زعم أنه من شهد على المسلمين لم تجز شهادتهم إلا بتفسير الشهادة كيف هي قال‏:‏ ولو أن أربعة شهدوا على رجل منهم بالزنا لم تجز شهادتهم حتى يشهدوا كيف هو وهكذا قالوا في سائر الحدود فبرئت منهم البيهسية على ذلك وسموهم أصحاب التفسير‏.‏

وقالت العوفية من البيهسية‏:‏ السكر كفر ولا يشهدون أنه كفر حتى يأتي معه غيره كترك الصلاة وما أشبه ذلك لأنهم إنما يعلمون أن الشارب سكر إذا ضم إلى سكره غيره مما يدل على أنه ومن الخوارج أصحاب صالح ولم يحدث صالح قولاً تفرد به ويقال أنه كان صفرياً‏.‏

ومن قول الصفرية وأكثر الخوارج أن كل ذنب مغلظ كفر وكل كفر شرك وكل شرك عبادة للشيطان‏.‏

وقالت الفضلية‏:‏ لا يكفر عندنا ولا يعصي من قال بضرب من الحق الذي يكون من المسلمين وأراد به غير الله أو وجهه على غير ما يوجهه المسلمون عليه نحو قول القائل لا إله إلا الله يريد بها قول النصارى الذي لا إله إلا هو الذي له الولد والزوجة أو يريد صنماً اتخذ إلهاً وكقول القائل‏:‏ محمد رسول الله وهو يريد غيره ممن قال‏:‏ هو حي قائم وما أشبه ذلك من القول كله واعتقاد القلب والتوجه إلى غير الله عز وجل‏.‏

وحكى اليمان بن رباب الخارجي أن قوماً من الصفرية وافقوا بعض البيهسية على أن كل من واقع ذنباً عليه حرام لا يشهد عليه بأنه كفر حتى يرفع إلى السلطان ويحد عليه فإذا حد عليه فهو كافر إلا أن البيهسية لا يسمونهم مؤمنين ولا كافرين حتى يحكم عليهم وهذه الطائفة من الصفرية يثبتون لهم اسم الإيمان حتى تقام عليهم الحدود‏.‏

وحكى أن صنفاً من الخوارج تفردوا بقول أحدثوه وهو قطعهم الشهادة على أنفسهم ومن وافقهم أنهم من أهل الجنة من غير شرط ولا استثناء‏.‏

وذكر أن صنفاً منهم يدعون الحسينية ورئيسهم رجل يعرف بأبي الحسين يرون أن الدار دار حرب وأنه لا يجوز الإقدام على من فيها إلا بعد المحنة ويقولون بالإرجاء في موافقيهم خاصة كما حكي عن نجدة ويقولون فيمن خالفهم أنهم بارتكاب الكبائر كفار مشركون‏.‏

وذكر اليمان أيضاً أن صاحب الشمراخية وهو عبد الله بن شمراخ كان يقول أن دماء قومه حرام في السر حلال في العلانية وأن قتل الأبوين حرام في دار التقية ودار الهجرة وإن كانا مخالفين والخوارج تبرأ منه‏.‏

ومن العلماء باللغة وهو من الخوارج أبو عبيدة معمر بن المثنى وكان صفرياً ومن شعرائهم‏:‏ عمران بن حطان وهو صفري ومن مؤلفي كتبهم ومتكلميهم‏:‏ عبد الله بن يزيد ومحمد بن حرب ويحيى بن كامل وهؤلاء إباضية واليمان بن رباب وكان ثعلبياً ثم صار بيهسياً وسعيد بن هارون وكان فيما أظن إباضياً‏.‏

والخوارج تدعي من السلف الشعثاء جابر بن زيد وعكرمة وإسماعيل بن سميع وأبا هارون العبدي وهبيرة بن مريم‏.‏

ومن رجال الخوارج ممن لم يذكر أنه خرج ولا له مذهب يعرف به صالح بن مسرح وداود وكانا يتلاقيان ويحدثان مسائل يقع لها الخلاف بين الخوارج ثم كانت لهما في آخر أيامهما خرجة ليست بالمشهورة ورباب السجستاني وهو الذي أوقع الخلاف بين الخوارج في قتيل وجد في عسكر حتى قال بعضهم أن حكم أهل العسكر حكم الكفار حتى يعلم أنه قتل بحق وقال بعضهم‏:‏ بل هم مؤمنون حتى يعلم أنه قتل بغير حق وهارون الضعيف وقد حكي عنه إجازة تزويج نساء مخالفيه وأحل مخالفيه في هذا الباب محل أهل الكتاب‏.‏

ومن الخوارج صنف يسمون الراجعة رجعوا عن صالح بن مسرح وبرئوا منه لأحكام حكم بها وذلك أن بعض طلائع صالح أتاه فأعلمه أن فارساً على تل واقف ينظر إلى عسكره فوجه إليه رجلين من أصحابه فلما نظر إليهما الفارس ولى مدبراً فلحقاه فطعنه أحدهما فصرعه ونزلا ليقتلاه فقال لهما‏:‏ أنا رجل مسلم وأنا أخو ربعي بن حراش وكان ربعي بن حراش من رؤسائهم فكفا عنه وقالا له‏:‏ هل يعرفك أحد في العسكر قال‏:‏ نعم وسمى رجلين من أصحاب صالح يسمى أحدهما جبيراً والآخر الوليد فصار الفرسان به إلى عسكر صالح فأخبراه بخبره فدعا صالح بن جبيراً والوليد فسألهما عنه فقالا‏:‏ نعرفه بالخبث والكفر ونعرف أنه أخو ربعي وقد أخبرنا ربعي بخبثه وعداوته للمسلمين فأمر صالح بضرب عنقه فقالت الراجعة‏:‏ قتل رجلاً مسلماً قد ادعى الإسلام فبرئوا بذلك من صالح ومنها أنه أتاه رجل من طلائعه فأخبره أن فارساً واقف على تل ينظر إلى العسكر بالليل فبعث أبا عمر ويزيد بن خارجة فلما نظر الفارس إليهما ولى مدبراً فطعنه أحدهما وضربه الآخر بالسيف ثم أتيا به صالحاً فدفعه صالح إلى رجل من أصحابه وأوصاه به وقال‏:‏ إذا كان بالغداة فأتنا به حتى نقف على جراحته وننظر أتصير إلى دية النفس أو إلى دية الأرش فذهب الرجل إلى منزله وأباته عنده فلما نام الرجل الذي من أصحاب صالح قام الأسير فهرب من الليل فبرئت الراجعة من صالح بذلك وقالوا‏:‏ لم يبرأ من جراحته وقد ادعى أنه ذمي ومنها أن رجلاً من أصحابه يقال له صخر قال لرجل منهم‏:‏ هذا عدو الله فلم يستتبه صالح من ذلك ومنها أنه احتبس من الغنائم فرساً فكان أصحابه يقترعون إذا أرادوا ركوبه ويتنافسون في القتال عليه فاختلف أصحابه عند هذه الأشياء فبرئت منه فرقة فسميت الراجعة وصوب أكثر الخوارج رأي صالح بن أبي صالح ووقف شبيب في صالح بن أبي صالح والراجعة وقال‏:‏ لا ندري ما حكم به صالح كان حقاً أو باطلاً ويقال أن أكثر الراجعة عادوا إلى قول صالح ويصوبونه فيما صنع‏.‏

فأما بعض الإباضية فيذهب إلى أن الذين برئوا من صالح كفروا وأن من وقف في كفرهم كفر وأحسنوا الظن بشبيب وقالوا‏:‏ لم يكن مثله يبرأ منه وقالوا‏:‏ ويدل على ذلك أنه كان معه حتى قتل فهو عندهم على أصل إيمانه‏.‏

ومنهم فرقة يسمون الشبيبية وذلك أن شبيباً وقف في صالح وفي الراجعة فقالوا‏:‏ لا ندري أحق ما حكم به صالح أم جور وحق ما شهدت به الراجعة أم جور فبرئت الخوارج منهم وسموهم مرجئة الخوارج وكان شبيب أصاب أموالاً بجرجرايا فقسمها وبقيت رمكة ومنطقة وعمامة فقال لرجل من أصحابه‏:‏ اركب هذه الدابة حتى نقسمها وقال لآخر‏:‏ البس هذه العمامة والمنطقة حتى نقسمها فبلغ ذلك أصحابه فخرج إليه سالم بن أبي الجعد الأشجعي وابن دجاجة الحنفي فقالا‏:‏ يا معشر المسلمين استقسم هذا الرجل بالأزلام فقال شبيب‏:‏ إنما كانت رمكة وأحببت أن يركبها صاحبها يوماً أو يومين حتى نقسمها فقالوا‏:‏ لم أعطيت هذا منطقة وعمامة فلو استشهد وأخذ متاعه تب مما صنعت‏!‏ فكره أن يخنع فقال‏:‏ ما أرى موضع توبة فبرئوا منه فليس يتولاه خارجي فيما نعلم وهم يرجئون أمره ولا يكفرونه ولا يثبتون له الإيمان‏.‏

فأما التوحيد فإن قول الخوارج فيه كقول المعتزلة وسنشرح قول المعتزلة في التوحيد إذا صرنا إلى شرح مذاهب المعتزلة‏.‏

والخوارج جميعاً يقولون بخلق القرآن والإباضية تخالف المعتزلة في التوحيد في الإرادة فقط لأنهم يزعمون أن الله سبحانه لم يزل مريداً لمعلوماته التي تكون أن تكون ولمعلوماته التي لا تكون أن لا تكون والمعتزلة إلا بشر بن المعتمر ينكرون ذلك‏.‏

فأما القدر فقد ذكرنا من يذهب فيه إلى قول المعتزلة من الخوارج وذكرنا من يميل إلى الإثبات وأما الوعيد فقول المعتزلة فيه وقول الخوارج قول واحد لأنهم يقولون أن أهل الكبائر الذين يموتون على كبائرهم في النار خالدون فيها مخلدون غير أن الخوارج يقولون أن مرتكبي الكبائر ممن ينتحل الإسلام يعذبون عذاب الكافرين والمعتزلة يقولون أن عذابهم ليس كعذاب الكافرين‏.‏

وأما السيف فإن الخوارج تقول به وتراه إلا أن الإباضيةلا ترى اعتراض الناس بالسيف ولكنه يرون إزالة أيمة الجور ومنعهم من أن يكونوا أيمة بأي شيء قدروا عليه بالسيف أو بغير السيف‏.‏

فأما الوصف لله سبحانه على أن يظلم فإن الخوارج جميعاً تنكر ذلك‏.‏

والخوارج بأسرها يثبتون إمامة أبي بكر وعمر وينكرون إمامة عثمان رضوان الله عليهم في وقت الأحداث التي نقم عليه من أجلها ويقولون بإمامة علي قبل أن يحكم وينكرون إمامته لما أجاب إلى التحكيم ويكفرون معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري ويرون أن الإمامة في قريش وغيرهم إذا كان القائم بها مستحقاً لذلك ولا يرون إمامة الجائر وحكى زرقان عن النجدات أنهم يقولون أنهم لا يحتاجون إلى إمام وإنما عليهم أن يعلموا كتاب الله سبحانه فيما بينهم‏.‏

وللخوارج في الأطفال ثلاثة أقاويل‏:‏ صنف منهم يزعمون أن أطفال المشركين حكمهم حكم آبائهم يعذبون في النار وأن أطفال المؤمنين حكمهم حكم آبائهم واختلف هذا الصنف في الآباء إذا انتقلوا بعد موت أطفالهم عن أديانهم فقال قائلون‏:‏ ينتقلون إلى حكم آبائهم وقال قائلون‏:‏ هم على الحال التي كان آباؤهم عليها في حال موتهم لا ينتقلون بانتقالهم‏.‏

وقال الصنف الثاني منهم‏:‏ جائز أن يؤلم الله سبحانه في النار أطفال المشركين على غير المجازاة لهم وجائز أن لا يؤلمهم وأطفال المؤمنين يلحقون بآبائهم لقول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ‏"‏‏.‏

وقال الصنف الثالث وهم القدرية‏:‏ أطفال المشركين والمؤمنين في الجنة‏.‏

وحكى حاك عن الأخنسية أنها تزوج النساء في نصبة الحرب وغير نصبة الحرب‏.‏

وحكى أيضاً أن الشمراخية والصفرية تصلي خلف من لا تعرف‏.‏

وحكى أن البيهسية تقول بقتل أهل القبلة وأخذ الأموال وترك الصلاة إلا خلف من تعرف والشهادة على الدار بالكفر‏.‏

وحكى حاك أن البدعية تقول مثل مقالة الأزارقة غير أنها تزعم أن الصلاة ركعتان بالغداة وركعتان بالعشي‏.‏

واختلفت الخوارج في اجتهاد الرأي وهم صنفان‏:‏ فمنهم من يجيز الاجتهاد في الأحكام كنحو النجدات وغيرهم ومنهم من ينكر ذلك ولا يقول إلا بظاهر القرآن وهم الأزارقة‏.‏

وحكى حاك عن الخوارج أنهم لا يرون على الناس فرضاً ما لم يأتهم الرسل وأن الفرائض تلزم بالرسل واعتلوا بقول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ‏"‏‏.‏

والخوارج لا يقولون بعذاب القبر ولا ترى أن أحداً يعذب في قبره‏.‏

فأما القول في البارئ هل يرزق عباده الحرام إذا غلبوا عليه وأكلوه فإن من مال منهم إلى قول المعتزلة في القدر ينكر ذلك ومن قال منهم بالإثبات قال أن الله يرزق عباده الحرام إذا غلبوا عليه وأكلوه‏.‏

وللخوارج ألقاب فمن ألقابهم الوصف لهم بأنهم خوارج ومن ألقابهم‏:‏ الحرورية ومن ألقابهم الشراة والحرارية ومن ألقابهم المارقة ومن ألقابهم المحكمة وهم يرضون بهذه الألقاب كلها إلا بالمارقة فإنهم ينكرون أن يكونوا مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية والسبب الذي له سموا خوارج خروجهم على علي بن أبي طالب والذي له سموا محكمة إنكارهم الحكمين وقولهم‏:‏ لا حكم إلا لله والذي سموا له حرورية نزولهم بحروراء في أول أمرهم والذي له سموا شراة قولهم‏:‏ شرينا أنفسنا في طاعة الله أي بعناها بالجنة‏.‏

الجزيرة والموصل وعمان وحضرموت ونواح من نواحي المغرب ونواح من نواحي خراسان وقد كان لرجل من الصفرية سلطان في موضع يقال له سجلماسة على طريق غانة‏.‏

ويقال أن أول من حكم بصفين عروة بن بلال بن مرداس ويقال بل أول من حكم يزيد بن عاصم المحاربي ويقال بل رجل من سعد بن زيد مناة تميم ويقال أن أول من تشرى رجل من بني يشكر‏.‏

وكان أمير الخوارج أول ما اعتزلوا عبد الله بن الكواء وأمير قتالهم شبث بن ربعي ثم بايعوا لعبد الله بن وهب الراسبي لعشر بقين من شوال سنة سبع وثلاثين وكان رئيس الخوارج الذين أقبلوا من البصرة ليجتمعوا مع عبد الله بن وهب مسعر بن فدكي وهو الذي استعرض من لقي هو وأصحابه وقتل عبد الله بن خباب فبعض الخوارج يقولون أن عبد الله بن وهب كان كارهاً لذلك كله وكذلك أصحابه وبعضهم يتأول لمسعر في قتل عبد الله ويقال أنه سأله أن يحدثه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بما سمعه منه فحدثه بحديث في الفتن يوجب القعود عن الحروب وأن يكون الرجل عبد الله المقتول فتأولوا عليه أنه يدين بتخطئتهم في الخروج وتخطئة علي رضي الله عنه أيضاً واستحلوا بهذا دمه‏.‏

ولما قرب الأمر في محاربة علي بن أبي طالب عبد الله بن وهب استوحش كثير منهم من محاربته ففارق قوم منهم عبد الله بن الوهب منهم جويرية بن فادغ فارقه في ثلاثمائة ومنهم مسعر بن فدكي انصرف إلى البصرة في مائتين ويقال بل صار إلى راية أبي أيوب الأنصاري وهو إذا ذاك مع علي بن أبي طالب ومنهم فروة بن نوفل الأشجعي فارقه في خمسمائة ومنهم عبد الله الطائي رجع إلى الكوفة في ثلاثمائة ويقال بل لحق براية أبي أيوب الأنصاري ومنهم سالم بن ربيعة فارقه في ثمانية عشر ويقال بل لحق براية أبي أيوب الأنصاري ومنهم أبو مريم السعدي فارقه في مائتين ويقال بل لحق براية أبي أيوب الأنصاري ومنهم أشرس بن عوف نزل الدسكرة في مائتين وذكر المدائني أن قوماً من الخوارج قد كانوا خرجوا مع علي رضوان الله عليه لقتال أهل الشام فلما قصد علي أهل النهر اعتزلوا فصاروا إلى النخيلة فأقاموا بها وكان مقتل عبد الله بن وهب الراسبي وأصحابه لسبع خلون من صفر سنة ثمان وثلاثين‏.‏

وخرج على علي في حياته من الخوارج بعد عبد الله بن وهب الراسبي أشرس بن عوف فسرح إليه علي جيشاً فقتل بالأنبار هو وأصحابه في شهر ربيع الأول من سنة ثمان وثلاثين‏.‏

ثم خرج ابن علفة التيمي فوجه إليه علي معقل بن قيس الرياحي فقتله وأصحابه بماسبذان في جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏

ثم خرج الأشهب بن بشر فوجه إليه علي جارية بن قدامة فقتل الأشهب وأصحابه بجرجرايا في وخرج رجل من الخوارج يقال له سعد على علي رضي الله عنه فكتب علي إلى سعد بن مسعود الثقفي وهو على المدائن فخرج إليه سعد فقتله وأصحابه في رجب من هذه السنة‏.‏

ثم خرج أبو مريم السعدي فوجه إليه علي شريح بن هانىء وقد صاروا من الكوفة على فرسخين ثم أنفذ إليهم جارية بن قدامة السعدي فقتل أبا مريم وأصحابه إلا خمسين رجلاً سألوا الأمان وذلك في شهر رمضان من هذه السنة ثم قتل علي رضوان الله عليه ولو ذكرنا من خرج من الخوارج بعده لطال الكتاب‏.‏

آخر مقالات الخوارج‏.‏

  أول مقالات المرجئة

ذكر اختلاف المرجئة اختلفت المرجئة في الإيمان ما هو وهم اثنتا عشرة فرقة‏:‏ فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإيمان بالله هو المعرفة بالله وبرسله وبجميع ما جاء من عند الله فقط وأن ما سوى المعرفة من الإقرار باللسان والخضوع بالقلب والمحبة لله ولرسوله والتعظيم لهما والخوف منهما والعمل بالجوارح فليس بإيمان وزعموا أن الكفر بالله هو الجهل به وهذا قول يحكى عن جهم بن صفوان وزعمت الجهمية أن الإنسان إذا أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه أنه لا يكفر بجحده وأن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل أهله فيه وأن الإيمان والكفر لا يكونان إلا في القلب دون غيره من الجوارح‏.‏

والفرقة الثانية من المرجئة يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط فلا إيمان بالله إلا المعرفة به ولا كفر بالله إلا الجهل به وأن قول القائل أن الله ثالث ثلاثة ليس بكفر ولكنه لا يظهر إلا من كافر وذلك أن الله سبحانه أكفر من قال ذلك وأجمع المسلمون أنه لا يقوله إلا كافر وزعموا أن معرفة الله هي المحبة له وهي الخضوع لله وأصحاب هذا القول لا يزعمون أن الإيمان بالله إيمان بالرسول وأنه لا يؤمن بالله إذا جاء الرسول إلا من آمن بالرسول ليس لأن ذلك يستحيل ولكن لأن الرسول قال‏:‏ ومن لا يؤمن بي فليس بمؤمن بالله وزعموا أيضاً أن الصلاة ليست بعبادة لله وأنه لا عبادة إلا الإيمان به وهو معرفته والإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص وهو خصلة واحدة وكذلك الكفر والقائل بهذا القول أبو الحسين الصالحي‏.‏

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله والخضوع له وهو ترك الاستكبار عليه والمحبة له فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن وزعموا أن إبليس كان عارفاً بالله غير أنه كفر باستكباره على الله وهذا قول قوم من أصحاب يونس السمري وزعموا أن الإنسان وإن كان لا يكون مؤمناً إلا بجميع الخلال التي ذكرناها وقد يكون كافراً بترك خلة منها ولم يكن يونس يقول بهذا‏.‏

والفرقة الرابعة منهم وهم أصحاب أبي شمر ويونس يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله والخضوع له والمحبة له بالقلب والإقرار به أنه واحد ليس كمثله شيء ما لم تقم عليه حجة الأنبياء وإن كانت قامت عليه حجة الأنبياء فالإيمان الإقرار بهم والتصديق لهم والمعرفة بما جاء من عند الله غير داخل في الإيمان ولا يسمون كل خصلة من هذه الخصال إيماناً ولا بعض إيمان حتى تجتمع هذه الخصال فإذا اجتمعت سموها إيماناً لاجتماعها وشبهوا ذلك بالبياض إذا كان في دابة لم يسموها بلقاء ولا بعض أبلق حتى يجتمع السواد والبياض فإذا اجتمعا في الدابة سمي ذلك بلقاً إذا كان بفرس فإن كان في جمل أو كلب سمي بقعاً وجعلوا ترك الخصال كلها وترك كل خصلة منها كفراً ولم يجعلوا الإيمان متبعضاً ولا محتملاً للزيادة والنقصان‏.‏

وحكي عن أبي شمر أنه قال‏:‏ لا أقول في الفاسق الملي فاسق مطلق دون أن أقيد فأقول فاسق في كذا‏.‏

وحكى محمد بن شبيب وعباد بن سليمان عن أبي شمر أنه كان يقول أن الإيمان هو المعرفة بالله والإقرار به وبما جاء من عنده ومعرفة العدل يعني قوله في القدر ما كان من ذلك منصوصاً عليه أو مستخرجاً بالعقول مما فيه إثبات عدل الله ونفي التشبيه والتوحيد وكل ذلك إيمان والعلم به إيمان والشاك فيه كافر والشاك في الشاك كافر أبداً والمعرفة لا يقولون أنها إيمان ما لم تضم الإقرار وإذا وقعا كانا جميعاً إيماناً‏.‏

والفرقة الخامسة من المرجئة أصحاب أبي ثوبان يزعمون أن الإيمان هو الإقرار بالله وبرسله وما كان لا يجوز في العقل إلا أن يفعله وما كان جائزاً في العقل أن لا يفعله فليس ذلك من الإيمان‏.‏

والفرقة السادسة من المرجئة يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله وبرسله وفرائضه المجتمع عليها والخضوع له بجميع ذلك والإقرار باللسان فمن جهل شيئاً من ذلك فقامت به عليه حجة أو عرفه ولم يقر به كفر ولم تسم كل خصلة من ذلك إيماناً كما حكينا عن أبي شمر وزعموا أن الخصال التي هي إيمان إذا وقعت فكل خصلة منها طاعة فإن فعلت خصلة منها ولم تفعل الأخرى لم تكن طاعة كالمعرفة بالله إذا انفردت من الإقرار لم تكن طاعة لأن الله عز وجل أمرنا بالإيمان جملة أمراً واحداً ومن لم يفعل ما أمر به لم يطع وزعموا أن ترك كل خصلة من ذلك معصية وأن الإنسان لا يكفر بترك خصلة واحدة وأن الناس يتفاضلون في إيمانهم ويكون بعضهم أعلم بالله وأكثر تصديقاً له من بعض وأن الإيمان يزيد ولا ينقص وأن من كان مؤمناً لا يزول عنه اسم الإيمان إلا بالكفر وهذا قول الحسين بن محمد النجار وأصحابه‏.‏

والفرقة السابعة من المرجئة الغيلانية أصحاب غيلان يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله الثانية والمحبة والخضوع والإقرار بما جاء به الرسول وبما جاء من عند الله سبحانه وذلك أن المعرفة الأولى عنده اضطرار فلذلك لم يجعلها من الإيمان‏.‏

وذكر محمد بن شبيب عن الغيلانية أنهم يوافقون الشمرية في الخصلة من الإيمان أنه لا يقال لها إيمان إذا انفردت ولا يقال لها بعض إيمان إذا انفردت وأن الإيمان لا يحتمل الزيادة والنقصان وأنهم خالفوهم في العلم فزعموا أن العلم بأن الأشياء محدثة مدبرة ضرورة والعلم بأن محدثها ومدبرها ليس باثنين ولا أكثر من ذلك اكتساب وجعلوا العلم بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء من عند الله اكتساباً وزعموا أنه من الإيمان إذا كان الذي جاء من عند الله منصوصاً بإجماع المسلمين ولم يجعلوا شيئاً من الدين مستخرجاً إيماناً‏.‏

وكل هؤلاء الذين حكينا قولهم من الشمرية والجهمية والغيلانية والنجارية ينكرون أن يكون في الكفار إيمان وأن يقال أن فيهم بعض إيمان إذ كان الإيمان لا يتبعض عندهم‏.‏

وذكر زرقان عن غيلان أن الإيمان هو الإقرار باللسان وهو التصديق وأن المعرفة بالله فعل الله وليست من الإيمان في قليل ولا كثير واعتل بأن الإيمان في اللغة هو التصديق‏.‏

والفرقة الثامنة من المرجئة أصحاب محمد بن شبيب يزعمون أن الإيمان الإقرار بالله والمعرفة بأنه واحد ليس كمثله شيء والإقرار والمعرفة بأنبياء الله وبرسله وبجميع ما جاءت به من عند الله مما نص عليه المسلمون ونقلوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة والصيام وأشباه ذلك مما لا اختلاف فيه بينهم ولا تنازع وأما ما كان من الدين نحو اختلاف الناس في الأشياء فإن الراد للحق لا يكفر وذلك أنه إيمان واستخراج ليس يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به من عند الله سبحانه ولا على المسلمين ما نقلوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ونصوا عليه والخضوع لله هو ترك الاستكبار وزعموا أن إبليس قد عرف الله سبحانه وأقر به وإنما كان كافراً لأنه استكبر ولولا استكباره ما كان كافراً وأن الإيمان يتبعض ويتفاضل أهله وأن الخصلة من الإيمان قد تكون طاعة وبعض إيمان ويكون صاحبها كافراً بترك بعض الإيمان ولا يكون مؤمناً إلا بإصابة الكل وكل رجل يعلم أن الله واحد ليس كمثله شيء ويجحد الأنبياء فهو كافر بجحده الأنبياء وفيه خصلة من الإيمان وهو معرفته بالله وذلك أن الله أمره أن يعرفه ويقر بما كان عرف وإن عرف ولم يقر أو عرف الله سبحانه وجحد أنبياءه فإذا فعل ذلك فقد جاء ببعض ما أمر به وإذا كان الذي أمر به كله إيماناً فالواحد منه بعض إيمان‏.‏

وكان محمد بن شبيب وسائر من قدمنا وصفه من المرجئة يزعمون أن مرتكبي الكبائر من أهل الصلاة العارفين بالله وبرسله المقرين به وبرسله مؤمنون بما معهم من الإيمان فاسقون بما معهم من والفرقة التاسعة من المرجئة أبو حنيفة وأصحابه يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله والإقرار بالله والمعرفة بالرسول والإقرار بما جاء من عند الله في الجملة دون التفسير وذكر أبو عثمان الأدمي أنه اجتمع أبو حنيفة وعمر بن أبي عثمان الشمزي بمكة فسأله عمر فقال له‏:‏ أخبرني عمن زعم أن الله سبحانه حرم أكل الخنزير غير أنه لا يدري لعل الخنزير الذي حرمه الله ليس هي هذه العين فقال‏:‏ مؤمن فقال له عمر‏:‏ فإنه قد زعم أن الله قد فرض الحج إلى الكعبة غير أنه لا يدري لعلها كعبة غير هذه بمكان كذا فقال‏:‏ هذا مؤمن قال‏:‏ فإن قال أعلم أن الله سبحانه بعث محمداً وأنه رسول الله غير أنه لا يدري لعله هو الزنجي قال‏:‏ هذا مؤمن ولم يجعل أبو حنيفة شيئاً من الدين مستخرجاً إيماناً وزعم أن الإيمان لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس فيه‏.‏

فأما غسان وأكثر أصحاب أبي حنيفة فإنهم يحكون عن أسلافهم أن الإيمان هو الإقرار والمحبة لله والتعظيم له والهيبة منه وترك الاستخفاف بحقه وأنه لا يزيد ولا ينقص‏.‏

والفرقة العاشرة من المرجئة أصحاب أبي معاذ التومني يزعمون أن الإيمان ما عصم من الكفر وهو اسم لخصال إذا تركها التارك أو ترك خصلة منها كان كافراً فتلك الخصال التي يكفر بتركها وبترك خصلة منها إيمان ولا يقال للخصلة منها إيمان ولا بعض إيمان وكل طاعة إذا تركها التارك لم يجمع المسلمون على كفره فتلك الطاعة شريعة من شرائع الإيمان تاركها إن كانت فريضة يرصف بالفسق فيقال له أنه فسق ولا يسمى بالفسق ولا يقال فاسق وليس تخرج الكبائر من الإيمان إذا لم يكن كفر وتارك الفرائض مثل الصلاة والصيام والحج على الجحود بها والرد لها والاستخفاف بها كافر بالله وإنما كفر للاستخفاف والرد والجحود وإن تركها غير مستحل لتركها متشاغلاً مسوفاً يقول‏:‏ الساعة أصلي وإذا فرغت من لهوي ومن عملي فليس بكافر إذا كان عزمه أن يصلي يوماً أو وقتاً من الأوقات ولكن نفسقه وكان أبو معاذ يزعم أن من قتل نبياً أو لطمه كفر وليس من أجل اللطمة والقتل كفر ولكن من أجل الاستخفاف والعداوة والبغض له وكان يزعم أن الموصوف بالفسق من أصحاب الكبائر ليس بعدو لله ولا ولي له‏.‏

وكل المرجئة يقولون أنه ليس في أحد من الكفار إيمان بالله عز وجل‏.‏

والفرقة الحادية عشرة من المرجئة أصحاب بشر المريسي يقولون أن الإيمان هو التصديق لأن الإيمان في اللغة هو التصديق وما ليس بتصديق فليس بإيمان ويزعم أن التصديق يكون بالقلب وباللسان جميعاً وإلى هذا القول كان يذهب ابن الراوندي وكان ابن الراوندي يزعم أن الكفر هو الجحد والإنكار والستر والتغطية وليس يجوز أن يكون الكفر إلا ما كان في اللغة كفراً ولا يجوز أن يكون إيماناً إلا ما كان في اللغة إيماناً وكان يزعم أن السجود للشمس ليس بكفر ولكنه علم والفرقة الثانية عشرة من المرجئة الكرامية أصحاب محمد بن كرام يزعمون أن الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب وأنكروا أن يكون معرفة القلب أو شيء غير التصديق باللسان إيماناً وزعموا أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مؤمنين على الحقيقة وزعموا أن الكفر بالله هو الجحود والإنكار له باللسان‏.‏

ومن المرجئة من يقول الفاسق من أهل القبلة لا يسمى بعد تقضي فعله فاسقاً ومنهم من يسميه بعد تقضي فعله فاسقاً‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ لا أقول لمرتكب الكبائر فاسق على الإطلاق دون أن يقال فاسق في كذا ومنهم من أطلق اسم الفاسق‏.‏

واختلفت المرجئة في الكفر ما هو وهم سبع فرق‏:‏ فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الكفر خصلة واحدة وبالقلب يكون وهو الجهل بالله وهؤلاء هم الجهمية‏.‏

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الكفر خصال كثيرة ويكون بالقلب وبغير القلب والجهل بالله كفر وبالقلب يكون وكذلك البغض لله والاستكبار عليه كفر وكذلك التكذيب بالله وبرسله بالقلب واللسان وكذلك الجحود لهم والإنكار لهم ونفيهم وكذلك الاستخفاف بالله وبرسله كفر وكذلك ترك التوحيد إلى اعتقاد التثنية والتثليث أو ما هو أكثر من ذلك كفر وزعم قائل هذا القول أن الكفر يكون بالقلب واللسان دون غيرهما من الجوارح وكذلك الإيمان وزعم قائل هذا القول أن قاتل النبي ولاطمه لم يكفر من أجل القتل واللطمة ولكن من أجل الاستخفاف وكذلك تارك الصلاة مستخفاً لتركها إنما يكفر بالاستحلال لتركها لا بتركها وزعم صاحب هذا القول أن من استحل ما حرم الله سبحانه مما نص الرسول صلى الله عليه وسلم على تحريمه وأجمع المسلمون على تحريمه فهو كافر بالله وأن استحلال ذلك كفر وكذلك من قال قولاً أو اعتقد عقداً قد أجمع المسلمون على إكفار فاعله وكل فعل أجمعوا على إكفار فاعله كفر بأي جارحة كان ذلك الفعل‏.‏

والفرقة الرابعة منهم يزعمون أن الكفر بالله هو التكذيب والجحد له والإنكار له باللسان وأن الكفر لا يكون إلا باللسان دون غيره من الجوارح وهذا قول محمد بن كرام وأصحابه‏.‏

والفرقة الخامسة منهم يزعمون أن الكفر هو الجحود والإنكار والستر والتغطية وأن الكفر يكون بالقلب واللسان‏.‏

والفرقة السادسة منهم أصحاب أبي شمر وقد تقدمت حكاية قولهم في إكفار من رد قولهم في التوحيد والقدر‏.‏

والفرقة السابعة أصحاب محمد بن شبيب وقد ذكرنا قولهم في الإكفار عند ذكرنا قولهم في الإيمان‏.‏

وأكثر المرجئة لا يكفرون أحداً من المتأولين ولا يكفرون إلا من أجمعت الأمة على إكفاره‏.‏

واختلفت المرجئة في المعاصي هل هي كبائر أم لا على مقالتين‏:‏ فقال قائلون منهم بشر المريسي وغيره‏:‏ كل ما عصي الله سبحانه به كبيرة وقال قائلون منهم‏:‏ المعاصي على ضربين منها كبائر ومنها صغائر‏.‏

وأجمعت المرجئة بأسرها أن الدار دار إيمان وحكم أهلها الإيمان إلا من ظهر منه خلاف الإيمان‏.‏

واختلفت المرجئة في الاعتقاد للتوحيد بغير نظر هل يكون علماً وإيماناً أم لا وهم فرقتان‏:‏ فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الاعتقاد للتوحيد بغير نظر لا يكون إيماناً والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الاعتقاد للتوحيد بغير نظر إيمان‏.‏

واختلفت المرجئة في الأخبار إذا وردت من قبل الله سبحانه وظاهرها ظاهر العموم على سبع فرق‏:‏ فقالت الفرقة الأولى منهم‏:‏ إذا جاء الخبر من الله سبحانه أنه يعذب القاتلين والآكلين أموال اليتامى ظلماً وأشباههم من أهل الكبائر وقفنا في عذابهم لقول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ‏"‏ وقالت هذه الفرقة‏:‏ جائز أن يخبر الحكيم الصادق بالخبر ثم يستثني منه فيكون له أن يفعل وله أن لا يفعل للاستثناء ويكون صادقاً وإن هو لم يفعل ولا يكون ذلك مستنكراً في اللغة ولا كذباً وهؤلاء هم الذين يزعمون أن الاستثناء ظاهره‏.‏

وزعمت الفرقة الثانية أن الوعد ليس فيه استثناء وأن الوعيد فيه استثناء مضمر وذلك جائز في اللغة عند أهلها لأن الرجل قد يوعد عبده أن يضربه ثم يعفو عنه ولا يرون ذلك كذباً للضمير الذي قال في الوعيد‏.‏

وزعمت الفرقة الثالثة من أهل الوقف أن الأخبار إذا جاءت ومخرجها عام فسمعها السامع وكان الخبر وعداً أو وعيداً ولم يسمع القرآن كله والأخبار المجتمع عليها كلها فعليه أن يعلم أن الخبر في جميع أهل تلك الصفة الذين جاء فيهم الوعيد عام لا شك فيه وقد يجوز أن يكون على خلاف ذلك العلم الذي لا شك فيه عندهم على الحكم وهو نحو علم الرجل أنه ليس مع الرجل من المسلمين الموثوق بدينه حديدة يريد أن يعترض بها الناس ليقتلهم ونحو علم الأنساب التي على فراش أبيه علماً لا شك فيه ولا يخطر الشك فيه على البال إذا لم يكن ثم سبب يدعوهم إلى الشك من أسباب التهم فعليهم أن يثبتوا ذلك على ظاهره وإن كان خلاف ذلك جائزاً فيما غاب عنهم فعليهم أن لا يشكوا وإن جوزوا في المغيب خلاف ما لم يشكوا فيه في الظاهر‏.‏

فزعموا في الوعد إذا انفرد والوعيد إذا انفرد فعليهم أن يثبتوا بكل واحد منهما منفرداً ويعلموا أنه عام علماً لا شك فيه كما وصفنا ويجوز أن يكون على خلاف ذلك فإذا جاء مع الوعيد الوعد عندهم في قوم فعليهم أن يعلموا أن أحدهما مستثنىً من الآخر إما أن يكون الوعد مستثنىً من الوعيد وإما أن يكون الوعيد مستثنىً من الوعد وعلى السامع لذلك أن يقف فلا يدري لعل الخبر في أهل التوحيد كلهم أو في بعضهم غير أنه لا يعلم أنه لا يجتمع الوعد والوعيد في رجل واحد لأن ذلك يتناقض‏.‏

وقالت الفرقة الرابعة وهم أصحاب محمد بن شبيب‏:‏ وجدنا اللغة أجازت‏:‏ جاء بنو تميم وجاءت الأزد وإنما يعني بعض بني تميم وبعض الأزد وصرمت أرضى وإنما صرم بعضها وضرب الأمير أهل السجن وإنما ضرب بعضهم قالوا فلما وجدنا اللغة أجازت ذلك وسمعنا الأخبار في القرآن مما مخرجه عام أجزنا أن يكون معناها في الخاص من أهل كل طبقة ذكرهم الله سبحانه بوعيد وأجزنا أن يكون ذلك عاماً وذلك مثل قوله‏:‏ ‏"‏ ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم ‏"‏ وكقوله‏:‏ ‏"‏ إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً ‏"‏ وكقوله‏:‏ ‏"‏ والذين يرمون المحصنات ‏"‏ وأشباه ذلك من آي الوعيد التي جاءت مجيئاً عاماً فأجزنا ذلك لما ذكرنا من إجازة اللغة فيما بينها أن يكون الخبر مخرجه مخرجاً عاماً وهو خاص وأن تكون الآي التي جاءت في الوعيد خاصة في بعض أهل الطباق التي جاءت فيهم من القاتلين والقاذفين وأكلة أموال الأيتام وأشباه ذلك وأجزنا أن تكون عامة في جميعهم وإن كانت في بعضهم كانت في أعظمهم جرماً وليس يجوز عندهم أن يعذب الله سبحانه على جرم ويعفو عما هو أعظم جرماً منه‏.‏

وزعمت الفرقة الخامسة من المرجئة أنه ليس في أهل الصلاة وعيد إنما الوعيد في المشركين قالوا‏:‏ وقول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ ومن يقتل مؤمناً متعمداً ‏"‏ وما أشبه ذلك من آي الوعيد في المستحلين دون المحرمين قالوا‏:‏ فأما الوعد من الله فهو واجب للمؤمنين والله جل وعز لا يخلف وعده والعفو أولى بالله والوعد لهم قول الله‏:‏ ‏"‏ والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ‏"‏ وما أشبه ذلك من آي القرآن وزعم هؤلاء أنه كما لا ينفع مع الشرك عمل كذلك لا يضر مع الإيمان عمل ولا يدخل النار أحد من أهل القبلة‏.‏

وحكي عن بعض العلماء باللغة أنه قال‏:‏ من أخبر الله أنه يثيبه أثابه ومن أخبر أنه يعاقبه من أهل القبلة لم يعاقبه ولم يعذبه وذلك يدل على كرمه وزعم أن العرب كانت تمتدح الوعد والعفو عما وزعمت الفرقة السابعة أن القرآن على الخصوص إلا ما أجمعوا على عمومه وكذلك الأمر والنهي‏.‏

واختلفت المرجئة في الأمر والنهي هل هما على العموم على مقالتين‏:‏ فقال قائلون بما حكيناه آنفاً من أن ذلك على الخصوص حتى تأتي دلالة على العموم وقالت الفرقة الثانية‏:‏ الأمر والنهي هما على العموم إلا ما خصه دلالة‏.‏

واختلفت المرجئة في تخليد الله الكفار على مقالتين‏:‏ فقالت الفرقة الأولى منهم وهم أصحاب جهم بن صفوان‏:‏ الجنة والنار تفنيان وتبيدان ويفنى أهلهما حتى يكون الله موجوداً لا شيء معه كما كان موجوداً لا شيء معه وأنه لا يجوز أن يخلد الله أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وهذا رد ما اتفق المسلمون عليه ونقلوه نصاً وقال المسلمون كلهم إلا جهماً أن الله يخلد أهل الجنة في الجنة ويخلد الكفار في النار‏.‏

واختلفت المرجئة في فجار أهل القبلة هل يجوز أن يخلدهم الله في النار إن أدخلهم النار على خمسة أقاويل‏:‏ فزعمت الفرقة الأولى أصحاب بشر المريسي أنه محال أن يخلد الله الفجار من أهل القبلة في النار لقول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ‏"‏ وأنهم وزعمت الفرقة الثانية منهم أصحاب أبي شمر ومحمد بن شبيب أنه جائز أن يدخلهم الله النار وجائز أن يخلدهم فيها إن أدخلهم وجائز أن لا يخلدهم‏.‏

وقالت الفرقة الثالثة أن الله عز وجل يدخل النار قوماً من المسلمين إلا أنهم يخرجون بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصيرون إلى الجنة لا محالة‏.‏

وقالت الفرقة الرابعة وهم أصحاب غيلان‏:‏ جائز أن يعذبهم الله وجائز أن يعفو عنهم وجائز أن لا يخلدهم فإن عذب أحداً عذب من ارتكب مثل ما ارتكبه وكذلك إن خلده وإن عفا عن أحد عفا عن كل من كان مثله‏.‏

وقالت الفرقة الخامسة منهم‏:‏ جائز أن يعذبهم الله وجائز أن لا يعذبهم وجائز أن يخلدهم ولا يخلدهم وأن يعذب واحداً ويعفو عمن كان مثله كل ذلك لله عز وجل أن يفعله‏.‏

واختلفت المرجئة في الصغائر والكبائر على مقالتين‏:‏ فقالت الفرقة الأولى‏:‏ كل معصية فهي كبيرة وقالت الفرقة الثانية‏:‏ المعاصي منها كبائر ومنها صغائر‏.‏

واختلفت المرجئة في غفران الله الكبائر بالتوبة وهل هو تفضل أم لا على مقالتين‏:‏ فقالت الفرقة الأولى منهم‏:‏ غفران الله سبحانه الكبائر بالتوبة تفضل وليس باستحقاق وقالت واختلفت المرجئة في معاصي الأنبياء هل هي كبائر أم لا على مقالتين‏:‏ فقالت الفرقة الأولى منهم‏:‏ معاصيهم كبائر وجوزوا على الأنبياء فعل الكبائر من القتل والزنا وغير ذلك وقالت الفرقة الثانية‏:‏ معاصيهم صغائر ليست بكبائر‏.‏

واختلفت المرجئة في الموازنة على مقالتين‏:‏ فقال قائلون منهم‏:‏ الإيمان يحبط عقاب الفسق لأنه أوزن منه وأن الله لا يعذب موحداً وهذا قول مقاتل بن سليمان‏.‏

وقال قائلون منهم بتجويز عذاب الموحدين وأن الله يوازن حسناتهم بسيئاتهم فإن رجحت حسناتهم أدخلهم الجنة وإن رجحت سيئاتهم كان له أن يعذبهم وله أن يتفضل عليهم وإن لم ترجح حسناتهم على سيئاتهم ولا رجحت سيئاتهم على حسناتهم تفضل عليهم بالجنة وهذا قول أبي معاذ‏.‏

واختلفت المرجئة في إكفار المتأولين على ثلاثة أقاويل‏:‏ فقالت الفرقة الأولى منهم‏:‏ لا نكفر أحداً من المتأولين إلا من أجمعت الأمة على إكفاره‏.‏

وقالت الفرقة الثانية منهم أصحاب أبي شمر أنهم يكفرون من رد قولهم في القدر والتوحيد ويكفرون الشاك في الشاك‏.‏

وقالت الفرقة الثالثة منهم‏:‏ الكفر هو الجهل بالله فقط ولا يكفر بالله إلا الجاهل به وهذا قول جهم بن صفوان‏.‏

واختلفت المرجئة في عفو الله عن عبد الله ما بينه وبين العباد من المظالم على مقالتين‏:‏ فقالت الفرقة الأولى منهم‏:‏ ما كان من مظالم العباد فإنما العفو من الله عنهم في القيامة إذا جمع الله بينه وبين خصمه أن يعوض المظلوم بعوض فيهب لظالمه الجرم فيغفر له‏.‏

وقالت الفرقة الثانية منهم أن العفو عن جميع المذنبين في الدنيا جائز في العقول ما كان بينهم وبين الله وما كان بينهم وبين العباد‏.‏

واختلفت المرجئة في التوحيد‏:‏ فقال قائلون منهم في التوحيد بقول المعتزلة وسنشرح قول المعتزلة إذا انتهينا إلى شرح أقاويلهم‏.‏

وقال قائلون منهم بالتشبيه فهم ثلاث فرق‏:‏ فقالت الفرقة الأولى منهم وهم أصحاب مقاتل بن سليمان أن الله جسم وأن له جمة وأنه على صورة الإنسان لحم ودم وشعر وعظم له جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس وعينين مصمت وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه‏.‏

وقالت الفرقة الثانية منهم أصحاب الجواربي مثل ذلك غير أنه قال‏:‏ أجوف من فيه إلى صدره وقالت الفرقة الثالثة منهم‏:‏ هو جسم لا كالأجسام‏.‏